سورة العاديات - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العاديات)


        


{وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)}
قوله تعالى: {وَإِنَّهُ} أي الإنسان من غير خلاف. {لِحُبِّ الْخَيْرِ} أي المال، ومنه قوله تعالى: {إِنْ تَرَكَ خَيْراً} [البقرة: 180].
وقال عدي:
ماذا ترجي النفوس من طلب ال ***- خير وحب الحياة كاربها
{لَشَدِيدٌ} أي لقوي في حبه للمال.
وقيل: لَشَدِيدٌ لبخيل. ويقال للبخيل: شديد ومتشدد. قال طرفة:
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي *** عقيلة مال الفاحش المتشدد
يقال: اعتامه واعتماه، أي أختاره. والفاحش: البخيل أيضا. ومنه قوله تعالى: {وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ} [البقرة: 268] أي البخل. قال ابن زيد: سمى الله المال خيرا، وعسى أن يكون شرا وحراما، ولكن الناس يعدونه خيرا، فسماه الله خيرا لذلك. وسمي الجهاد سواء، فقال: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} [آل عمران: 174] على ما يسميه الناس. قال الفراء: نظم الآية أن يقال: وإنه لشديد الحب للخير، فلما تقدم الحب قال: شديد، وحذف من آخره ذكر الحب، لأنه قد جرى ذكره، ولرءوس الآي، كقوله تعالى: {فِي يَوْمٍ عاصِفٍ} [إبراهيم: 18] والعصوف: للريح لا الأيام، فلما جرى ذكر الريح قبل اليوم، طرح من آخره ذكر الريح، كأنه قال: في يوم عاصف الريح.


{أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)}
قوله تعالى: {أَفَلا يَعْلَمُ} أي ابن آدم {إِذا بُعْثِرَ} أي أثير وقلب وبحث، فأخرج ما فيها. قال أبو عبيدة: بعثرت المتاع: جعلت أسفله أعلاه وعن محمد بن كعب قال: ذلك حين يبعثون. الفراء: سمعت بعض أعراب بني أسد يقرأ: {بحثر} بالحاء مكان العين، وحكاه الماوردي عن ابن مسعود، وهما بمعنى. {وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ} أي ميز ما فيها من خير وشر، كذا قال المفسرون.
وقال ابن عباس: أبرز. وقرأ عبيد بن عمير وسعيد بن جبير ويحيى بن يعمر ونصر بن عاصم {وحصل} بفتح الحاء وتخفيف الصاد وفتحها، أي ظهر. {إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} أي عالم لا يخفى عليه منهم خافية. وهو عالم بهم في ذلك اليوم وفي غيره، ولكن المعنى أنه يجازيهم في ذلك اليوم. وقوله: إِذا بُعْثِرَ العامل في إِذا: بُعْثِرَ، ولا يعمل فيه يَعْلَمُ، إذ لا يراد به العلم من الإنسان ذلك الوقت، إنما يراد في الدنيا. ولا يعمل فيه لَخَبِيرٌ، لان ما بعد إِنَّ لا يعمل فيما قبلها. والعامل في يَوْمَئِذٍ: لَخَبِيرٌ، وإن فصلت اللام بينهما، لان موضع اللام الابتداء. وإنما دخلت في الخبر لدخول إِنَّ على المبتدأ. ويروى أن الحجاج قرأ هذه السورة على المنبر يحضهم على الغزو، فجرى على لسانه: أن ربهم بفتح الالف، ثم استدركها فقال: لَخَبِيرٌ بغير لام. ولولا اللام لكانت مفتوحة، لوقوع العلم عليها. وقرأ أبو السمال إن ربهم بهم يومئذ خبير. والله سبحانه وتعالى أعلم.

1 | 2 | 3